الأماكن المظلمة تحتاج إلى أنوار ساطعة

Posted byArabic Editor November 19, 2025 Comments:0

(English Version: “Dark Places Need Bright Lights”)

جاءت فتاة شابة يومًا ما تستشير راعي كنيستها. قالت له: «لا أستطيع أن أتحمل أكثر. أنا المسيحية الوحيدة في مكان عملي. لا أتلقى سوى السخرية والاستهزاء. إنه أكثر مما أستطيع احتماله. سأستقيل.» فسألها الراعي: «هل يمكنك أن تخبريني أين توضع الأضواء؟» فأجابته الفتاة الشابة بحدة: «وما علاقة هذا بالموضوع؟» قال الراعي بهدوء: «لا بأس، فقط قولي لي أين توضع الأضواء؟» فأجابت: «أعتقد أنها توضع في الأماكن المظلمة.» ابتسم الراعي وقال: «نعم! لقد وضعك الله في هذا المكان المظلم الذي يخلو من المسيحيين لكي تضيئي له.»

لأول مرة، أدركت هذه الشابة الفرصة التي أمامها، ولم تستطع أن تخذل الله بإطفاء نورها. عادت إلى عملها بعزيمة جديدة لتجعل نورها يضيء في ذلك الركن المظلم. وفي النهاية، كانت سببًا في قيادة تسع فتيات أخريات إلى نور يسوع المسيح. كل هذا حدث لأنها أدركت أن وجودها في هذا المكان المظلم كان بقصد أن تضيء فيه ساطعًا.

تمامًا كما أدركت تلك الفتاة دورها، يجب علينا جميعًا أن ندرك أننا مدعوون لنكون أنوارًا ساطعة في العالم المظلم من حولنا. يصف فيلبي ١٤:٢-١٦ المؤمنين بأنهم أنوار تضيء. فكما تضيء الشمس والقمر والنجوم الكون المظلم، هكذا يجب على المؤمنين أن يضيئوا في قلوب الناس المظلمة من حولهم.

عندما وصف يسوع أتباعه بأنهم «نور العالم» (متى ١٤:٥)، كان يقصد أننا نعكس النور ولسنا مصدر النور. يسوع هو المصدر. فقد قال بنفسه: «أنا هو نور العالم. من يتبعني فلا يمشي في الظلمة بل يكون له نور الحياة.» (يوحنا ١٢:٨) نحن، كمؤمنين، نُشبه القمر الذي يضيء في ليلة مظلمة: القمر لا يملك ضوءًا خاصًا به، بل يعكس نور الشمس. ونحن بدورنا، نعكس نور المسيح في عالم مظلم.

ومع ذلك، كمسيحيين، كثيرًا ما ننسى هذه الحقائق الأساسية. ننسى أن الله، بسيادته، أبقانا في أماكن محددة وفي أوقات محددة لكي نضيء له. علينا أن نتمم دورنا بأمانة وألا نخيّب ثقته. وقد أعطانا فيلبي ١٤:٢-١٦ تعليمات عملية لتحقيق هذا الهدف المجيد.

أولًا: الأمر الإلهي (آية ١٤)

يقول بولس: «افعلوا كل شيء بلا دمدمة ولا مجادلة.» كما أن النافذة النظيفة تسمح لأشعة الشمس بالمرور وإضاءة الغرفة، هكذا يجب أن نسمح لنور المسيح أن يمر عبر حياتنا. لكن إذا اتسخت النافذة بالغبار، فإن الضوء لا ينفذ جيدًا. وكذلك حياتنا: الخطيئة تعيق نور المسيح من السطوع عبرنا. وهناك خطيئة محددة تضعف نورنا بشكل خاص: خطيئة التذمر والجدال. لهذا السبب يأمرنا بولس: «افعلوا كل شيء بلا دمدمة ولا مجادلة.» لاحظ أن كلمة «كل شيء» تأتي في بداية الجملة في النص اليوناني الأصلي، وكلمة «افعلوا» تأتي بصيغة المضارع المستمر، مما يدل على عمل مستمر بلا توقف.

كلمة «التذمر» تعني التذمر السري، الشكوى الخفية، وعدم الرضا تجاه الظروف أو الأشخاص، وهو في النهاية اعتراض على الله نفسه. وكلمة «الجدال» تشير إلى التمرد الداخلي ومجادلة إرادة الله.

بولس عندما يقول «لا تتذمروا»، ربما كان يفكر في التذمر المستمر لشعب إسرائيل أثناء تجوالهم في البرية (خروج ١٠:١٤-١٢؛ ٢٣:١٥-٢٤؛ ٢:١٦-٣؛ ٣:١٧؛ عدد ٢:١٤). قال لهم موسى: «لستم علينا تتذمرون بل على الرب.» (خروج ٨:١٦) وكان رد فعل الله تجاه تذمرهم هو الغضب والدينونة. يقول الكتاب: «فتأجج غضب الرب، واشتعَلت نار من عند الرب وأحرقت في أطراف المحلة.» (عدد ١:١١)

لهذا السبب، يحذر بولس من خطورة التذمر قائلاً: «ولا تتذمروا كما تذمر بعضهم، فأهلكهم المهلك.» (١ كورنثوس ١٠:١٠)

فالتذمر خطيئة خطيرة لأنها تطعن في سيادة الله، وتعترض ضمنيًا على حكمته وصلاحه. لذلك نحن بحاجة إلى أن نتعلم الخضوع بثقة لقصد الله الكامل في حياتنا.

ثانيًا: السبب (آيات ١٥–١٦)

يكمل بولس قائلاً: «لكي تكونوا بلا لوم وبسطاء، أولاد الله بلا عيب في وسط جيل معوج وملتوٍ، تضيئون بينهم كأنوار في العالم، متمسكين بكلمة الحياة.» (فيلبي ١٥:٢-١٦)

الهدف أن نكون بلا لوم من الخارج، وأن نكون أنقياء من الداخل. يجب أن تكون حياتنا شفافة، خالية من النفاق والمكر، فنقول ما نعنيه بصدق. حياة مستقيمة وصادقة تجذب العالم إلى المسيح. وهكذا، من خلال التمسك بكلمة الحياة وعرضها على الآخرين، نكون بمثابة نجوم مضيئة في عالم مظلم.

أفكار ختامية

كمؤمنين، نعلن للعالم الضائع أن يسوع هو الجواب لكل مشكلة، وأن الله معنا دائمًا. ومع ذلك، إن كنا نؤمن حقًا بهذه الحقائق، فلماذا نواصل التذمر بشأن مواقعنا وأعمالنا وأوضاعنا العائلية والمالية؟

يبدو أننا تبنينا فكر العالم الذي يعتبر التذمر أمرًا عاديًا، وصرنا نقول: «يجب أن أفرغ ما بداخلي كي لا أنفجر.» لكن كمؤمنين، نحن أحيانًا «نُجمّل» التذمر بقولنا: «بما أن الله هو أبي، أستطيع أن أقول ما أريد.» وهذا خطير. نحن بحاجة أن نرجع ونتذكر تحذيرات الكتاب المقدس من التذمر (عدد ١١:١، ١ كورنثوس ١٠:١٠).

بعض المؤمنين قد لا يتذمرون علنًا، لكنهم يظلون يحملون مرارة داخلية، وهذا مرفوض أمام الله. فالله ينظر إلى القلوب، لا فقط إلى الكلمات.

مثل الصبي الذي جلس بأمر أبيه لكنه قال: «أنا جالس بجسدي لكن واقف بقلبي»، يجب ألا نكون كذلك مع الله. طاعتنا لمشيئة الله يجب أن تكون قلبية، طوعية، ومليئة بالثقة في صلاحه.

التذمر يطفئ نور شهادتنا. لا يمكننا أن نتذمر ونضيء في الوقت ذاته. إن أردنا أن نضيء، يجب أن نتوقف عن التذمر ونملأ قلوبنا بالشكر.

لذلك، دعونا نعيش بحسب قول الكتاب: «اشكروا في كل شيء، لأن هذه هي مشيئة الله في المسيح يسوع من جهتكم.» (١ تسالونيكي ١٨:٥). حين نجمع بين وصيتي فيلبي ١٤:٢ و١ تسالونيكي ١٨:٥، نرى أن مشيئة الله أن نعيش حياة بلا تذمر ومليئة بالشكر.

في إحدى رحلات المحيط الأطلسي، كان راكب مريضًا بشدة ولا يستطيع المساعدة حين صرخ أحدهم: «رجل في البحر!» ومع ذلك، فكر أن بإمكانه وضع مصباحه بجوار نافذة كابينه، عسى أن يحدث فرقًا.

وفي اليوم التالي، أخبر الرجل الذي تم إنقاذه الجميع أنه كان يغرق في الظلام، وعندما رأى نورًا صغيرًا في النافذة، استطاع أحد البحّارة أن يراه ويمسك بيده وينقذه.

هذا المثال يعلمنا أن القليل في يد الله قد يصنع فرقًا عظيمًا!

ليس من السهل أن نضيء للمسيح في عالم مظلم، لكنه امتياز عظيم. ومع ذلك، تذكر أن الإضاءة تتطلب التضحية. الشمعة تحترق لتعطي نورًا. المصباح الكهربائي يستهلك طاقته ليضيء. وبالمثل، نحن كمؤمنين يجب أن نحترق — أن نضحي بخطايانا، براحتنا، بأوقاتنا، بل بكل ما يلزم — لكي نضيء للرب.

لا يجب أن نتردد في تقديم حياتنا بالكامل للرب يسوع الذي بذل حياته من أجلنا. ينبغي أن نصلي بصدق: «يا رب يسوع، أنت مستحق كل شيء. خذني واستخدمني حيث أنا. قدني خطوة بخطوة. أريد أن أعيش لك وأجعل نورك يضيء من خلالي — هنا والآن!»

Category

Leave a Comment