التغلب على الإحباط

Posted byArabic Editor July 12, 2025 Comments:0

(English Version: “Defeating Discouragement”)

في كتاب بعنوان «الأبدية»، يروي الكاتب جو ستويل قصة حقيقية. كان ديوين «سكوت» وجانيت ويليس والدين لتسعة أطفال. كان سكوت معلمًا في مدرسة وواعظًا بدوام جزئي في حي ماونت غرينوود جنوب شيكاغو. كانا زوجين تقيين للغاية، مكرسين حياتهما للرب ولعائلتهما. بعيدان عن جشع العالم السطحي من حولهما، كرسا نفسيهما بكل سعادة واكتفاء لما هو حقًا ذو قيمة: تربية الأولاد وخدمة الكنيسة.

في أحد الأيام، ركب سكوت وجانيت وستة من أولادهم في سيارتهم الجديدة متجهين شمالًا إلى ميلووكي لزيارة أحد أولادهم الكبار. وأثناء قيادتهم على الطريق السريع، سقطت قطعة كبيرة من المعدن من شاحنة أمامهم، واخترقت خزان الوقود، مما أشعل السيارة بالكامل. نجا فقط سكوت وجانيت؛ بينما التهمت النيران الأطفال الستة.

مثل هذه الحوادث تدفعنا لطرح أسئلة مثل: لماذا هم بالذات؟ لماذا في هذا الوقت؟ لماذا يعطي الله لهم أولادًا ثم يسمح برحيلهم فجأة؟ ولماذا، في عالم مليء بالآباء المهملين والقساة، يسمح الله بأن تحدث هذه المأساة مع عائلة مؤمنة تقيّة؟ وبكل صراحة، مثل هذه الأحداث تهز ثقتنا في الله وتهدد أسس إيماننا.

ومع ذلك، وسط هذا العالم المشوش، هناك مسيحيون يخرجون من تجاربهم بثقة لا تتزعزع في حضور الله الحي وقدرته، متطلعين إلى العالم الأبدي المبارك الذي وعد به الله. وكان هذا هو منظور سكوت وجانيت. عندما نظرت جانيت إلى السيارة المحترقة وصرخت «لا! لا!»، لم يكن عزاء زوجها لها مجرد لمسة، بل كان له منظور يتجاوز اللحظة — بل يتجاوز هذا العالم نفسه. لمس سكوت كتفها وهمس قائلًا: «جانيت، لقد أعدنا الرب لهذه اللحظة. لقد كانت سريعة، وهم الآن مع الرب.»

نشرت صحيفة «شيكاغو تريبيون» تقريرًا على صفحتها الأولى قالت فيه: «محترقين، ملفوفين بالضمادات، وما زالا يتألمان جسديًا في مستشفى بمنطقة ميلووكي، أظهر الزوجان قدرًا هائلًا من النعمة والشجاعة يوم الأربعاء بينما ترأسا بهدوء مؤتمرًا صحفيًا طلبا عقده، ليشهدا كيف أن إيمانهما غير المتزعزع قد أعانهما في فقدان ستة من أولادهما التسعة.» في المؤتمر الصحفي، قال سكوت: «أنا أعلم أن لله مقاصد وأسبابًا… لقد أظهر لنا ولعائلتنا محبته. لا شك في قلوبنا أن الله صالح، ونحن نسبّحه في كل الأشياء.» بوضوح، كان سكوت متصلًا بشيء يتجاوز هذا العالم الحاضر.

يأتي بولس الرسول لمساعدتنا على تطوير نفس المنظور، كما يقول في رومية ١٨:٨: «فإني أرى أن آلام الزمان الحاضر لا تقاس بالمجد العتيد أن يُستعلن فينا.» كلمة «أرى» تعني «أحسب» أو «آخذ في الحسبان»، وكلمة «الآلام» تشير إلى الأحزان الداخلية والخارجية التي يمر بها المؤمن أثناء عيشه في هذا العالم لأجل المسيح. بعبارة أخرى، بولس فكر مليًا في الأمور وتوصل إلى هذا الاستنتاج:

يقين المجد المستقبلي يحررنا من الإحباطات الحالية.

معاناة بولس الشخصية بولس لم يكن غريبًا عن المعاناة. لقد تحمل آلامًا شديدة لن يمر بها أغلب المسيحيين. وهذا مقتطف صغير مما قاله عن نفسه:

«قد تعبت أكثر، وسُجنت أكثر، وجُلدت فوق الحد، وتعرضت للموت مرارًا كثيرة. خمس مرات نلتُ من اليهود أربعين جلدة إلا واحدة. ثلاث مرات ضُربت بالعصي، مرة رجمني بالحجارة، ثلاث مرات تحطمت بي السفينة، قضيت ليلة ويومًا في عرض البحر. كثيرًا ما كنتُ في أسفار، في أخطار من أنهار، أخطار من لصوص، أخطار من بني قومي، أخطار من الأمم، أخطار في المدينة، أخطار في البرية، أخطار في البحر، أخطار من الإخوة الكذبة. في تعب وكدّ، وكثيرًا ما بلا نوم، في جوع وعطش، وكثيرًا ما بلا طعام، في برد وعري. ومن دون ذلك، الضغط اليومي عليّ: همّي بجميع الكنائس.» (٢ كورنثوس ٢٣:١١-٢٩)

يا لها من قائمة! ومع ذلك، لم يتذمر بولس أبدًا أو يشتكي. في المرة القادمة التي نظن فيها أن الحياة المسيحية يجب أن تكون خالية من التجارب، لنتذكر معاناة بولس وموقفه الإيجابي.

تذكر أيوب؟ الله نفسه قال عنه إنه «كان كاملاً ومستقيمًا يتقي الله ويحيد عن الشر» (أيوب ١:١). ومع ذلك، عانى أيوب معاناة لا توصف. ومثل بولس، لم يفقد أيوب إيمانه أو يجدف على الله رغم كل آلامه، رغم أن الشيطان توقع ذلك (أيوب ١١:١).

ما هو سر بولس وأيوب؟ كان لديهم منظور يتجاوز هذا العالم الحاضر. حتى وسط المعاناة الشديدة، كان أيوب يقول بثقة: «أما أنا فقد علمت أن وليّي حيٌّ، والآخر على الأرض يقوم. وبعد أن يفنى جلدي، بهذا الجسد أعاين الله، الذي سأراه أنا لنفسي، وعيناي تنظران لا آخر.» (أيوب ٢٥:١٩-٢٧)

لو سألنا بولس: «لماذا تحتمل كل هذا؟ هل هو حقًا يستحق العناء؟» لأجاب: «لأنني قد ثبت نظري على المجد العتيد أن يُستعلن لنا؛ لهذا أتحمل المعاناة الحالية دون أن أُصاب بالإحباط.» ما هو المجد المستقبلي الذي كان بولس ينتظره؟ يكشف لنا الكتاب المقدس عن حقيقتين أكيدتين تتعلقان بالمجد القادم:

١. سنصبح مشابهين للمسيح

بمعنى أننا سنحصل على أجساد ممجدة مثل جسد المسيح الممجد. بولس نفسه كتب قائلاً: «أما نحن فإن سيرتنا هي في السماوات، التي منها أيضًا ننتظر مخلصًا هو الرب يسوع المسيح، الذي سيغير شكل جسد تواضعنا ليكون على صورة جسد مجده، بحسب عمل استطاعته أن يخضع لنفسه كل شيء.» (فيلبي ٢٠:٣-٢١)

في ذلك اليوم، ستُستبدل أجسادنا الفانية الملوثة بالخطيئة والمعرضة للأمراض، بأجساد جديدة كاملة، بلا خطية ولا فساد. لن نخطئ بعد، ولن نمرض بعد. ويسمي الكتاب هذا الحدث بـ «فداء أجسادنا» الذي ينتظره المؤمنون بشوق (رومية ٢٣:٨). لهذا السبب، لا ينبغي أن نستسلم للإحباط بسبب معاناتنا الوقتية!

٢. الكون بأسره سيتغير

ليس فقط المؤمنون هم من سيتغيرون، بل الخليقة كلها. يقول الكتاب في رؤيا ١:٢١: «ثم رأيت سماء جديدة وأرضًا جديدة، لأن السماء الأولى والأرض الأولى قد مضتا.» وفي تلك الأوقات المجيدة: «وسيمسح الله كل دمعة من عيونهم، والموت لا يكون فيما بعد، ولا يكون حزن ولا صراخ ولا وجع فيما بعد، لأن الأمور الأولى قد مضت.» (رؤيا ٤:٢١)

عندها، لن يكون هناك ظلم، ولا خطية، بل فقط البر (٢ بطرس ١٣:٣). أما هذا الكون الحاضر، فمصيره أن يُباد بنار (٢ بطرس ١٠،٧:٣)، ليفسح المجال لكون جديد تملؤه البركة والفرح الأبدي.

المجد المستقبلي يعني أن نصبح مشابهين للمسيح. أن نعيش في عالم جديد بلا خطية ولا ألم ولا موت، مليء بالفرح الأبدي.

أفكار ختامية.

قبل وفاته، أعلن الملحد الشهير جان بول سارتر أنه قاوم مشاعر اليأس، وكان يردد: «أنا أعلم أنني سأموت مع الأمل.» لكن في لحظة حزن عميق، أضاف: «لكن الأمل يحتاج إلى أساس.»

في المقابل، الرجاء المسيحي له أساس صخري — إنه مبني على كلمة الله الأكيدة. الرجاء المسيحي ليس مجرد أمنية فارغة («آمل أن أفوز باليانصيب») بل هو يقين ثابت («أنا أعلم يقينًا أنني سأكون مع الرب»).

هذا هو الرجاء الذي حمله بولس، وأيوب، وسكوت وجانيت ويليس. وهو نفس الرجاء الذي ينبغي أن يحمله كل مؤمن حقيقي. الله وعد بأن يجعلنا مشابهين للمسيح، وأن يخلق كونًا جديدًا بلا خطية أو ألم. ومع تأملنا الدائم في هذه الحقائق، يتقوى رجاؤنا (رومية ٤:١٥)، وهكذا نستطيع أن ننتصر على الإحباطات اليومية!

من يدّعي الإيمان دون أن يملك إيمانًا حقيقيًا، أو يرفض المسيح، ينتظره مستقبل رهيب. بينما المجد الأبدي ينتظر أولاد الله، فالعذاب الأبدي ينتظر «أبناء العصيان» كما يقول الكتاب (أفسس ٦:٥). سيُبعثون ليدخلوا في دينونة رهيبة في «بحيرة النار» (رؤيا ١١:٢٠-١٥). لهذا السبب، يجب على كل إنسان أن يتوب الآن ويهرب إلى المسيح لينال رجاءً أكيدًا للحياة الأبدية!

لماذا يسعى بعض المؤمنين لحياة بلا معاناة هنا؟ ألم يوضح الرب أن المعاناة حتمية؟ «وجميع الذين يريدون أن يعيشوا بالتقوى في المسيح يسوع يُضطهدون.» (٢ تيموثاوس ١٢:٣) وقد طوّب الرب يسوع الذين يُعيرون ويُضطهدون من أجل اسمه (متى ١٠:٥-١٢).

لا يجب أن نصلي لطلب التجارب، لكن ينبغي أن ندرك أن المعاناة جزء لا يتجزأ من الحياة في عالم ساقط (أيوب ٧:٥، يوحنا ٣٣:١٦). ما يعدنا به الله ليس الخلاص من الألم الأرضي، بل حضوره الدائم معنا وسط الألم: «لا أهملك ولا أتركك.» (عبرانيين ٥:١٣-٦)

معاناتنا الحاضرة ما هي إلا قطرة ماء مقارنة بمجدنا الأبدي الذي يشبه محيطًا لا ينتهي. لهذا، دعونا نحتضن هذه الحقائق ونواصل التقدم بفرح! إذا لم نفعل، سنتغلب بالمرارة وخيبة الأمل.

لماذا ينجح بعض المسيحيين اليوم؟ لأنهم يعتبرون السماء حقيقية، والمجد المستقبلي أكيدًا. لهذا، لا تغريهم مغريات العالم. وقد قال سكوت ويليس: «جانيت وأنا كان علينا أن ندرك أننا لا ننظر إلى الحياة بمنظور قصير. نحن نأخذ النظرة الطويلة، التي تشمل الحياة الأبدية.» بمعنى آخر: كانوا يرون الواقع الزمني من خلال عدسة الأبدية — ولذلك لم يسحقهم الإحباط.

ليس غريبًا أن تُختتم افتتاحية صحيفة «تريبيون» بهذه الكلمات:

«هناك ردّان فقط على خسارة كالتي تعرض لها سكوت وجانيت ويليس: إما اليأس الكامل أو الإيمان الذي لا يشك. وبالنسبة لعائلة ويليس، لم يكن اليأس خيارًا.»

أليس هذا هو المنظور الذي ينبغي أن نحيا به نحن أيضًا؟

Category

Leave a Comment