لا تَستَغرِب إن مررتَ بتجارب وألم

Posted byArabic Editor August 5, 2025 Comments:0

(English Version: “Don’t Be Surprised When You Go Through Suffering”)

في منتصف القرن السادس عشر، تُرجم الكتاب المقدس إلى اللغة الإنجليزية، وكانت مدينة هادلي من أوائل المدن في إنجلترا التي استقبلت الكتاب المقدس باللغة الإنجليزية. وكان الدكتور رولاند تايلور راعي كنيسة في هادلي، يكرز بأمانة بكلمة الله. وكما كان متوقعًا، تم استدعاؤه للمثول أمام الأسقف والمستشار الأعلى في لندن. اتُّهِم بالهرطقة وأُعطِي فرصة إمّا أن يُغيّر موقفه من الكتاب المقدس أو أن يُحرَق حيًا.

أجاب بشجاعة: «لن أتوقّف عن الكرازة بالحق، وأشكر الله لأنه دعاني لأن أكون مستحقًا أن أتألّم من أجل كلمته.» فأُرسِل فورًا إلى هادلي ليُحرَق هناك. وعلى الطريق، كان فرِحًا ومبتهجًا لدرجة أن من يراه يظنه ذاهبًا إلى وليمة أو زفاف! وكانت كلماته لحراسه تبكيهم، إذ كان يناديهم بصدق أن يتوبوا عن شرورهم. وكانوا يتعجبون من ثباته وجرأته وفرحه واستعداده للموت.

وعندما وصلوا إلى المكان الذي سيُحرَق فيه، التفت إلى جماعته الذين تجمّعوا والدموع في أعينهم، وقال: «لم أعلّمكم إلا كلمة الله المقدسة، والدروس التي أخذتها من كتاب الله المبارك، الكتاب المقدس. واليوم، جئتُ لأختمها بدمي.»

ركع وصلّى، وتوجّه إلى الحطب. قبّل العمود الذي سيُربط عليه، ووقف ثابتًا، ويداه مشبوكتان وعيناه نحو السماء، يرفع الصلاة بلا انقطاع. ثم قاموا بربطه بالسلاسل، وبدأ الرجال بوضع الحطب. وعندما أشعلوا النار، رفع يديه نحو السماء وقال: «أيها الآب الرحيم في السماء، من أجل يسوع المسيح مخلّصي، استقبل روحي بين يديك.»

بقي واقفًا في النار دون أن يصرخ أو يتحرك، ويداه ما تزالان مشبوكتين. وللتخفيف من ألمه، ركض أحد رجال البلدة وضربه بفأس طويلة على رأسه، فمات فورًا وسقط جسده في النار.

عندما نقرأ قصة مثل هذه، وغيرها من القصص المشابهة، نتساءل: ما الذي يدفع أشخاصًا مثل تايلور إلى احتمال هذا القدر من المعاناة؟ أحد الأسباب هو أنهم يعلمون أن الحياة المسيحية هي دعوة إلى الألم، ولذلك لا يُفاجَأون عندما تأتي المعاناة. إنهم يأخذون كلمات بطرس الرسول على محمل الجد: «أَيُّهَا ٱلْأَحِبَّاءُ، لَا تَسْتَغْرِبُوا ٱلْبَلْوَى ٱلْمُحْرِقَةَ ٱلَّتِي بَيْنَكُمْ حَادِثَةً لِأَجْلِ ٱمْتِحَانِكُمْ، كَأَنَّهُ أَصَابَكُمْ أَمْرٌ غَرِيبٌ» (١ بطرس ٤: ١٢)

بطرس يقول: لا تستغربوا! توقّعوا أن تتألموا. رد الفعل البشري الطبيعي هو الصدمة: «لماذا يحدث هذا لي؟» لكن المؤمن الواعي يعرف أن التجارب جزء من دعوته. ما الذي قاله يسوع عن الاضطهاد؟

«طُوبَى لَكُمْ مَتَى أَهَانَكُمُ ٱلنَّاسُ وَطَرَدُوكُمْ، وَقَالُوا عَلَيْكُمْ كُلَّ كَلِمَةِ شَرِّيرَةٍ كَاذِبِينَ مِنْ أَجْلِي.» (متى ٥: ١١)

«لَا تَظُنُّوا أَنِّي جِئْتُ لِأُلْقِيَ سَلَامًا عَلَى ٱلْأَرْضِ… جِئْتُ لِأُفَرِّقَ بَيْنَ ٱلابْنِ وَأَبِيهِ، وَٱلِٱبْنَةِ وَأُمِّهَا… وَأَعْدَاءُ ٱلْإِنْسَانِ أَهْلُ بَيْتِهِ.» (متى ١٠: ٣٤–٣٦)

«ٱلْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ… لَيْسَ أَحَدٌ تَرَكَ بَيْتًا… إِلَّا وَيَأْخُذُ ٱلْآنَ… مَعَ ٱضْطِهَادَاتٍ، وَفِي ٱلدَّهْرِ ٱلْآتِي ٱلْحَيَاةَ ٱلْأَبَدِيَّةَ.» (مرقس ١٠: ٢٩–٣٠)

«إِنْ كَانُوا قَدِ ٱضْطَهَدُونِي، فَسَيَضْطَهِدُونَكُمْ أَيْضًا!» (يوحنا ١٥: ٢٠)

كتّاب العهد الجديد أيضًا أكدوا هذه الحقيقة: «وَجَمِيعُ ٱلَّذِينَ يُرِيدُونَ أَنْ يَعِيشُوا فِي مَخَافَةِ ٱللهِ… سَيُضْطَهَدُونَ.» (٢ تيموثاوس ٣: ١٢) «لَا تَتَعَجَّبُوا يَا إِخْوَتِي إِنْ كَانَ ٱلْعَالَمُ يُبْغِضُكُمْ.» (١ يوحنا ٣: ١٣)

في سفر الأعمال، وفي عبرانيين ١١، نقرأ عن الرجم والسجون والجلد والقتل. التاريخ الكنسي يشهد بأن شعب الله عانى من الاضطهاد عبر القرون. والسبب؟ إبليس وأتباعه يكرهون من يتبع الله.

بطرس وصف التجارب بأنها «محرقة» (١ بطرس ٤: ١٢)، أي شديدة ومؤلمة. وشرح الهدف منها: «هَذِهِ ٱلْبَلْوَى ٱلْمُحْرِقَةَ… لِتَمْتَحِنَكُمْ.» أي أن الله يستخدم الألم ليمتحن إيماننا، ويميز بين الإيمان الحقيقي والسطحي. كما قال في: «فِي هَذَا تَبْتَهِجُونَ… مَعَ أَنَّكُمْ ٱلْآنَ – إِنْ كَانَ يَجِبْ – تُحْزَنُونَ يَسِيرًا بِتَجَارِبَ مُتَنَوِّعَةٍ، لِتَكُونَ تَجْرِبَةُ إِيمَانِكُمْ… أَثْمَنَ مِنَ ٱلذَّهَبِ» (١ بطرس ١: ٦–٧)

لماذا نحتاج الألم؟ لأنه يجعلنا مثل يسوع. يعلمنا أن نحب أعداءنا، نصلي للذين يضطهدوننا، نصبح أكثر تواضعًا ورحمة وانكسارًا. لكن من لا يفهم هدف الألم، يتعامل معه كأنه شيء غريب!

وهذا ما يحدث لكثيرين، لأن البعض بُشّروا بإنجيل الراحة والازدهار، لا بإنجيل الصليب! يسوع قال: احسبوا الكلفة!

في (لوقا ١٤: ٢٦–٣٥)، حذّر يسوع من التبعية العاطفية، وقال إن من لا يحسب الكلفة لا يمكن أن يكون تلميذه. وهذا يذكّرنا بما قاله عن البذار: «ٱلَّذِينَ عَلَى ٱلصَّخْرِ هُمُ ٱلَّذِينَ… يَقْبَلُونَ ٱلْكَلِمَةَ بِفَرَحٍ… وَلَكِنْ لَيْسَ لَهُمْ أَصْلٌ… فَيَتَرَكُونَ ٱلْإِيمَانَ عِنْدَ ٱلتَّجْرِبَةِ.» (مرقس ٤: ١٦–١٧)

أما الصالحون: «هُمُ ٱلَّذِينَ… يَحْفَظُونَ ٱلْكَلِمَةَ فِي قُلُوبٍ طَيِّبَةٍ وَصَالِحَةٍ، وَيُثْمِرُونَ بِٱلصَّبْرِ.» (لوقا ٨: ١٥)

دعونا نطلب من الروح القدس أن يُذكّرنا بهذه الحقيقة: أن الألم والرفض والاضطهاد جزء من التبعية للمسيح. فهم هذه الحقيقة يفيدنا في أمرين:

١. يمنعنا من التذمّر ضد الله عند الألم.

٢. يقوينا لنحتسب الألم امتيازًا كما قال بولس: «فَقَدْ أُعْطِيَ لَكُمْ مِنْ أَجْلِ ٱلْمَسِيحِ، لَا أَنْ تُؤْمِنُوا بِهِ فَقَطْ، بَلْ أَنْ تَتَأَلَّمُوا أَيْضًا مِنْ أَجْلِهِ.» (فيلبي ١: ٢٩)

Category

Leave a Comment