٣ مفاهيم خاطئة حول الاكتفاء

(English Version: “3 Misconceptions Concerning Contentment”)
قالت فتاة صغيرة كان والدها دائم التذمر لوالدتها: «أنا أعرف ما الذي يحبه كل فرد في العائلة. جوني يحب البرغر، جيني تحب الآيس كريم، ويلي يحب الموز، وأمي تحب الدجاج.» انزعج الأب لأنه لم يكن ضمن القائمة، فسألها: «وماذا عني؟ ماذا أحب أنا؟» أجابت الصغيرة البريئة: «أنت تحب كل شيء لا نملكه.» على الرغم من أننا قد نضحك على هذا الموقف، إلا أنه إن كنا صادقين مع أنفسنا، سنجد أن كثيرين منا — حتى المسيحيين — يشبهون هذا الأب. وتكمن هذه المشكلة في وجود العديد من المفاهيم الخاطئة حول موضوع الاكتفاء. يهدف هذا المقال إلى تسليط الضوء على ثلاثة مفاهيم خاطئة شائعة حول الاكتفاء مع تقديم الردود الكتابية عليها.
المفهوم الخاطئ الأول: الاكتفاء ليس مسألة مهمة.
بشكل عام، نميل إلى اعتبار التعبير عن عدم الرضا تجاه الأمور غير السارة في الحياة كاستجابة بشرية طبيعية. فبعد كل شيء، أنا إنسان، وأحتاج إلى أن أتنفس قليلاً بين الحين والآخر.
الرد الكتابي: ولكن، إن كان الله يعتبر عدم الرضا استجابة «طبيعية»، فلماذا أعطانا الكثير من الوصايا التي تحثنا على الاكتفاء، مثل: «اكتفوا بمرتباتكم» (لوقا ٣ :١٤) «لتكن سيرتكم خالية من محبة المال، كونوا مكتفين بما عندكم» (عبرانيين ١٣ :٥) «تحرَّزوا واحذروا من كل طمع» (لوقا ١٢ :١٥) كمؤمنين، نحن نعترف بأن عدم طاعة أي وصية من وصايا الله هو خطية. وبما أن الأمر كذلك، ألا ينبغي لنا أن نعتبر عدم السعي وراء الاكتفاء خطية أيضًا؟ إذًا، السعي نحو الاكتفاء هو مسألة مهمة — وليس شيئًا يمكن تجاهله أو التغاضي عنه.
نظرة أعمق تكشف بوضوح لماذا يعتبر الله عدم الاكتفاء خطية. وهنا سببان رئيسيان:
أ. عدم الاكتفاء يمس بسيادة الله. التعبير عن عدم الرضا تجاه أوضاع حياتنا هو شكل خفي من الاعتراض على حق الله في أن يفعل ما يشاء بحياتنا. والمخلوق الذي يتحدى تصرفات الخالق يقع دائمًا في الخطية.
ب. عدم الاكتفاء يمس بجودة الله وصلاحه. عندما نعبر عن عدم رضا عن وضعنا الحالي، فنحن عمليًا نقول — ولو بدون كلمات بل بسلوكنا ومواقفنا: «يا الله، أنت لم تكن جيدًا معي في هذه الحالة. لو كنت صالحًا ومحبًا حقًا، لكنت منحتني ما أريده أو أزلت عني ما أكرهه.» مهم أن نلاحظ: ليس من الخطأ أن نصرخ إلى الله طلبًا للخلاص من الضيقات. لكن الخطأ يكمن في التشكيك في صلاح الله.
ملاحظة: من الجيد أن نكون غير مكتفين بحالتنا الروحية، لأننا لم نبلغ بعد الصورة التي يريدنا الله أن نكون عليها كأولاده. بمعنى آخر، اكتفِ بما لديك، لكن لا تكتفِ بمكانك الروحي. ومن الجيد أيضًا أن نشعر بعدم الرضا عندما نرى انتشار الخطية وإهانة اسم يسوع. فهذا النوع من عدم الاكتفاء هو استجابة صحيحة وطبيعية للمؤمن.
المفهوم الخاطئ الثاني: الاكتفاء يعتمد على الظروف.
كم مرة نفكر أن حياتنا ستكون أفضل فقط لو تغيرت ظروفنا الحالية؟ إن كنا عازبين، نرغب بالزواج؛ وإن كنا متزوجين، أحيانًا نتمنى لو كنا عزابًا. إن لم يكن لدينا أطفال، نرغب في إنجابهم؛ وإن كان لدينا أطفال، نرغب في تحسينهم! وهكذا تستمر القائمة. يبدو وكأن القلب يصرخ باستمرار: «أي وضع آخر سيكون أفضل من وضعي الحالي!» مثل ما يقول أحد الاقتباسات الجميلة: «عادةً، الإنسان أحمق: عندما يكون الجو حارًا، يريد أن يكون باردًا. وعندما يكون باردًا، يريد أن يكون حارًا. دائمًا يريد ما ليس لديه.» هل يبدو لك هذا الوصف مألوفًا؟
هناك قصة تحكي عن رجل غار من أصدقائه الذين يمتلكون منازل أفخم، فقرر بيع بيته وشراء بيت أجمل. وعندما قرأ إعلانًا في الصحيفة عن منزل أحبه كثيرًا، اتصل بالوسيط العقاري ليزوره فورًا. فأجابه الوسيط: «يا سيدي، هذا البيت الذي تصفه هو منزلك الحالي!»
الرد الكتابي: تذكر آدم وحواء؟ لقد عاشا في أفضل الظروف الممكنة، وامتلكا كل شيء في الكون ما عدا شجرة واحدة فقط (تكوين ١ :٢٨، تكوين ٢ :١٥-١٦). ولكن لاحظ كيف جاء الشيطان ليغريهما بعدم الرضا: «أحقًا قال الله: لا تأكلا من كل شجر الجنة؟» (تكوين ٣ :١) كانت أول كلمات نُقلت لنا عن الشيطان هي سؤال هدفه زرع الشك في كلمة الله وصلاحه.
الشيطان كان يوحي لهما: «أنتم لا تملكون كل شيء! أليس الله بخيلًا معكم؟ أليس يحرمكم من المزيد من السعادة؟» وكانت استراتيجيته أن يصرف أعينهم عما يملكونه (كل شيء تقريبًا)، ويركزهم على الشيء الوحيد الذي لا يملكونه (ثمر شجرة واحدة فقط). وهذا هو جذر كل عدم الرضا: التركيز على ما لا نملك بدلًا من الشكر على ما نملكه.
وللأسف، سقطا في هذا الفخ — معتقدين أن تغيير ظروفهم سيجلب لهم السعادة. لكن النتيجة كانت العكس: وجدوا الحزن والشقاء، تمامًا كما حذرهم الله.
دعنا نتعلم هذا الدرس العميق: إذا لم يستطع آدم وحواء أن يجدا الاكتفاء الكامل في أفضل الظروف الممكنة، فاحذر من التفكير الخاطئ الذي يقول: «سأكون سعيدًا فقط إذا تغير وضعي الحالي.» لهذا يجب أن نصلي دائمًا كما جاء في مزمور ١١٩ :٣٧: «أعرض عيني عن النظر إلى الباطل.»
الاكتفاء الحقيقي لا يأتي من الظروف الخارجية، بل من جعل التقوى أولويتنا والأبدية منظورنا. كما قال بولس: «أما التقوى مع القناعة فهي تجارة عظيمة.» (١ تيموثاوس ٦ :٦) وكل تقوى تبدأ بعلاقة حقيقية مع الله من خلال يسوع المسيح. إن لم تكن قد أتيت للمسيح بالتوبة والإيمان بعد، فافعل ذلك اليوم. احتضنه كمصدر كفايتك الكاملة.
المفهوم الخاطئ الثالث: الاكتفاء يأتي بشكل طبيعي للمؤمن.
قد نظن أنه بمجرد أن نصبح مؤمنين، سنبدأ فورًا في كراهية أمور العالم ونجد كل كفايتنا في المسيح، ولن نستسلم بعد الآن لرغبات الجسد الخاطئة.
الرد الكتابي: ليتنا نستطيع القول إن هذا صحيح! صحيح أن الإيمان بالمسيح يغير جوهر طبيعتنا، لكن الخضوع المستمر للروح القدس ورفض إغراءات الجسد هو معركة دائمة. لنأخذ مثال الرسول بولس: حين كتب إلى أهل فيلبي وهو مسجون في روما، قال: «فإني تعلمت أن أكون مكتفيًا بما أنا فيه.» (فيلبي ٤ :١١) لاحظ: تعلَّم أن يكون مكتفيًا! ويكرر الفكرة قائلًا: «أعرف أن أتضع وأعرف أيضًا أن أستفضل. في كل شيء وفي جميع الأشياء قد تدربت أن أشبع وأن أجوع، وأن أستفضل وأن أنقص.» (فيلبي ٤ :١٢) مرتين في آيتين يذكر فكرة التعلم — مما يعني أن الاكتفاء لم يكن يأتيه طبيعيًا، بل كان ثمرة تدريب وتجربة.
وهذا يمنحنا رجاءً كبيرًا! الاكتفاء لا يأتي بشكل فطري، بل هو شيء نتعلمه من خلال عمل الروح القدس فينا، واستجابتنا الشخصية عبر الصلاة والاعتماد على كلمة الله.
في النص اليوناني الأصلي، كلمة «مكتفيًا» (في فيلبي ٤ :١١) تشير إلى الشخص الذي يقبل ضغوطات الحياة بهدوء باعتماده على قوة داخلية، وليس على عوامل خارجية. ولكن الفرق هنا أن بولس يوضح أن قوته الداخلية مستمدة من المسيح، وليس من نفسه.
لو سألنا بولس: «كيف تعلمت سر الاكتفاء مهما كانت الظروف؟» لأجابنا بشيء مثل: «كفايتني تأتي من المسيح الذي يمنحني القوة.»
وهذا واضح في الآية التالية: «أستطيع كل شيء في المسيح الذي يقويني.» (فيلبي ٤ :١٣) مهم أن نوضح أن هذه الآية غالبًا تُساء فهمها؛ البعض يعتقد أنها تعني أننا نستطيع تحقيق أي شيء نرغب فيه إن آمنَّا كفاية. لكن السياق يوضح أن بولس كان يتحدث عن القدرة على الاكتفاء في جميع الظروف بفضل القوة التي يمنحها له المسيح.
في المفهوم المسيحي، «أن تكون مكتفيًا يعني أن تكون راضيًا تمامًا لأنك تمتلك المسيح.» إن كان لدينا المسيح، فنحن نمتلك كل شيء للحياة الحاضرة وللحياة الأبدية. وإن لم يكن لدينا المسيح، فنحن لا نمتلك شيئًا، حتى لو ملكنا كل العالم.
أفكار ختامية:
كمؤمنين، غالبًا ما ننحني أمام الله شكرًا لأنه خلصنا من الهلاك الأبدي ونحن لا نستحق. لكن، وبعد لحظات من شكرنا، نجد أنفسنا نشتكي لله مما نعتبره «نواقص» في حياتنا. وعندما تسوء الظروف، نسأل: «كيف يحدث هذا لي وأنا أمين لله؟ لماذا يعيش الآخرون في راحة بينما أعاني أنا؟» بهذا نكشف عن تناقض في قلوبنا: نقر أننا لا نستحق شيئًا، ولكننا نتوقع أن نحصل على امتيازات خاصة!
كلمات بولس تذكرنا: «فإن كان لنا قوت وكسوة، فلنكتف بهما.» (١ تيموثاوس ٦ :٨) ويضيف: «فيملأ إلهي كل احتياجكم بحسب غناه في المجد في المسيح يسوع.» (فيلبي ٤ :١٩) الله لا يعدنا بتلبية رغباتنا بل احتياجاتنا — وهذه الحقيقة تساعدنا على قتل روح الكبرياء وتنمية روح الشكر والاكتفاء.
عزيزي المؤمن، ربما أنت مريض ولن تُشفى أبدًا. ربما أنت فقير اقتصاديًا ولن تصبح غنيًا. ربما أنت أعزب وستبقى أعزب. ربما تعاني مع طفل مريض طيلة حياتك. ربما بيتك مليء بالصراعات ولن ينصلح بسهولة. رغم كل ذلك، هل أنت مستعد أن تصلي من قلبك قائلًا: «يا رب، أنا راضٍ بفرح بما أعطيتني أو منعت عني. لا أريد أن أحزنك بعدم الرضا. ساعدني أن أمجدك في كل ظرف وضعتني فيه بمحبّتك.» هذه هي روح الاكتفاء الحقيقي!
كيف ننمي روح الاكتفاء؟ توقف عن عدّ مشاكلك، وابدأ بعدّ بركاتك. اتبع نصيحة بولس: «أخيرًا، أيها الإخوة، كل ما هو حق، كل ما هو جليل، كل ما هو عادل، كل ما هو طاهر، كل ما هو مُسِرّ، كل ما صيته حسن — إن كانت فضيلة وإن كان مدح — ففي هذه افتكروا.» (فيلبي ٤ :٨) التفكير الدائم في بركاتنا في المسيح، وما هو طاهر وجليل، يملأ القلب بالسلام والاكتفاء، كما قال بولس: «وسلام الله الذي يفوق كل عقل، يحفظ قلوبكم وأفكاركم في المسيح يسوع.» (فيلبي ٤ :٧)
تذكر دائمًا: الله لا يسمح بشيء في حياتك إلا لمجده وخيرك النهائي. نعم، قد لا نفهم كل طرق الله، لكن لا حاجة لأن نفهم — فقط أن نثق أن إلهنا سيد وسيّد صالح.
«مبارك الله أبو ربنا يسوع المسيح الذي باركنا بكل بركة روحية في السماويات في المسيح.» (أفسس ١ :٣) «وهو رأس كل رياسة وسلطان؛ وأنتم مملوؤون فيه.» (كولوسي ٢ :١٠) «وحتى شيبك وشعرك الأبيض أنا أحمل، أنا صنعت وأنا أرفع، وأنا أحمل وأنجي.» (إشعياء ٤٦ :٤) بهذه الوعود العظيمة، يجب أن يكون شعارنا الدائم: «الرب راعيَّ فلا يعوزني شيء.» (مزمور ٢٣ :١)