الجحيم – حقيقته وتداعياته – الجزء الثاني

Posted byArabic Editor May 27, 2025 Comments:0

(English Version: “Hell – Its Realities and Implications – Part 2”)

هذه هي المقالة الثانية والأخيرة في السلسلة المعنونة: «الجحيم — حقيقته وتداعياته.» في الجزء الأول، رأينا الحقائق الأربع التالية عن الجحيم: ١. الجحيم مكان حقيقي. ٢. الجحيم مكان عذاب واعٍ أبدي. ٣. الجحيم مكان سيجتمع فيه الأشرار الشديدو الشر وحتى الأشخاص الأخلاقيون. ٤. الجحيم مكان لا رجاء فيه.

في ضوء هذه الحقائق المفزعة، إليك أربع نتائج — ثلاث نتائج لمن هو مسيحي، ونتيجة واحدة لمن ليس مسيحيًا.

تداعيات للمؤمن:

١. يجب علينا أن نشكر الله دائمًا.

صرخ يسوع على الصليب قائلاً: «إلهي، إلهي، لماذا تركتني؟» (متى ٤٦:٢٧). ولأنه تُرك، فنحن، الذين وثقنا بيسوع بنعمة الله، لن نُترك أبدًا. بمعنى آخر، يسوع تحمل بمعاناته كل الغضب الذي نستحقه. لقد ذاق الموت: «لكنه مات بنعمة الله عوضًا عن الجميع.» (عبرانيين ٩:٢)، حتى لا نضطر أبدًا إلى تحمل أهوال الجحيم، ولا حتى للحظة واحدة! ولذلك لا عجب أن الرسول بولس يقول في: «وتنتظرون مجيء ابنه من السماء، ذاك الذي أقامه الله من بين الأموات، أي يسوع الذي ينقذنا من الغضب الآتي.» (١ تسالونيكي ١٠:١).

ألا يجب أن تدفعنا هذه الحقيقة لأن نفيض بالشكر في كل وقت؟ هل لدينا أي حق في التذمر عندما لا تسير أمورنا كما نرغب هنا على الأرض؟ فالمعاناة الوحيدة التي سنختبرها — ستكون هنا على الأرض — وهي مؤقتة جدًا. وعندما نقارنها بأفراح السماء الأبدية، ندرك مدى النعمة العظيمة التي نلناها! لقد أنقذنا من عذاب أبدي في الجحيم. فهل ينبغي أن نتوقف عن شكره فقط لأننا نمر بفترة مؤقتة من الألم هنا؟

في المرة القادمة التي نشعر فيها بالرغبة في التذمر أو الإحباط بسبب تجارب الحياة، دعونا نتوقف لحظة ونتأمل في أهوال الجحيم وكيف أن يسوع أنقذنا منه بمعاناته عوضًا عنا. عندها سنجد أنفسنا نشكر الله حتى وسط الألم.

دُعي أحد المرسلين في مدينة لندن إلى بناية قديمة حيث كانت سيدة تحتضر وتعاني من آخر مراحل مرضها. كانت الغرفة ضيقة وباردة، وكانت المرأة راقدة على الأرض. حاول هذا المرسل مساعدتها وسألها إن كانت بحاجة إلى شيء، فقالت له: «لدي كل ما أحتاج إليه، لدي يسوع المسيح.»

لم ينس الرجل هذه الكلمات أبدًا، وخرج من هناك وهو يردد: «في قلب مدينة لندن، بين مساكن الفقراء، نُطِقت هذه الكلمات الذهبية المضيئة: (لدي المسيح، فماذا أريد أكثر؟). قالتها امرأة وحيدة تحتضر على أرضية غرفة عليّة، دون أن تملك أي شيء من متاع الأرض، (لدي المسيح، فماذا أريد أكثر؟). هرع الذي سمعها ليجلب لها شيئًا من خيرات العالم، ولكن كان ذلك بلا جدوى — فقد ماتت وهي تردد: (لدي المسيح، فماذا أريد أكثر؟).»

أيها العزيز، أيها الخاطئ — غنيًا كنت أم فقيرًا — هل يمكنك أن تقول بعمق وامتنان: «لدي المسيح، فماذا أريد أكثر؟»

٢. يجب علينا أن نسعى دائمًا إلى القداسة.

التأمل المتكرر في حقيقة الجحيم يجب أن يدفعنا للهروب المستمر من الخطيئة والسعي الحثيث نحو القداسة. قال يسوع في: «وإن كانت عينك اليمنى توقعك في الخطيئة، فاقلعها وألقها عنك، لأن من الخير لك أن تفقد أحد أعضائك ولا يلقى جسدك كله في جهنم. وإن كانت يدك اليمنى توقعك في الخطيئة، فاقطعها وألقها عنك، لأن من الخير لك أن تفقد أحد أعضائك ولا يلقى جسدك كله في جهنم.» (متى  ٢٩:٥-٣٠).

بعبارة أخرى، ما يقوله يسوع هو: ثمن الطاعة — حتى وإن بدا مرتفعًا — لا يساوي شيئًا مقارنة بثمن العصيان الذي يؤدي إلى الجحيم. الطريق الواسع هو طريق الهلاك. أما الطريق الضيق — طريق إنكار الذات والمعاناة — فهو طريق الحياة الأبدية. لذا، في المرة القادمة التي تُجرب فيها للوقوع في الخطيئة، تذكر أهوال الجحيم! السعي نحو القداسة يستحق كل التضحية — إلى الأبد!

٣. يجب علينا دائمًا أن نصل إلى الضالين.

التفكر في حقيقة الجحيم، وكم هو مكان مرعب، يجب أن يجعل قلوبنا تنفطر محبةً نحو الضالين. إذا كنا نؤمن — وينبغي أن نؤمن — أن الجحيم حقيقي، وأبدي، وأن الناس بدون يسوع سيذهبون إليه إلى عذاب لا ينتهي، فألا يجب أن نكون مثقلين بالصلاة من أجل الضالين ومشاركتهم بالإنجيل؟ ألا يجب أن نركز أكثر على العمل التبشيري بدلاً من الانشغال بأمور العالم الفانية؟ لماذا نستهلك حياتنا في أمور مؤقتة بينما القضايا الأبدية مُلِحَّة جدًا؟

الرجل الغني في قصة لوقا (لوقا ١٦: ١٩-٣١) عندما كان يتعذب في الهاوية، تمنى أن يتم إرسال شخص إلى إخوته الأحياء لينذرهم كي لا يأتوا إلى مكان العذاب هذا. كما قال: «فقال: أطلب إليك، إذًا، يا أبتي إبراهيم، أن ترسله إلى بيت أبي، لأن لي خمسة إخوة، لكي يشهد لهم، لئلا يأتوا هم أيضًا إلى موضع العذاب هذا.» (لوقا ٢٧:١٦-٢٨). نحن لا نحتاج أن نذهب إلى الهاوية لنفهم هذا؛ نحن نؤمن بكلمة الله المكتوبة. وهذا الإيمان يجب أن يدفعنا للتوسل إلى الخطاة أن يتوبوا ويرجعوا للمسيح. الله نفسه يناشد الناس من خلال أنبيائه، كما يقول:

«قل لهم: حيٌّ أنا، يقول السيد الرب، لا أُسر بموت الشرير، بل برجوع الشرير عن طريقه فيحيا. ارجعوا، ارجعوا عن طرقكم الشريرة! فلماذا تموتون يا بيت إسرائيل؟» (حزقيال ١١:٣٣).

وبالمثل، يجب علينا أن نتوسل للخطاة أن يرجعوا، ويحصلوا على قلب جديد وروح جديدة، لكي يهربوا من أهوال الجحيم الأبدية. لا يجب أن نخاف من الرفض. لا يجب أن نهتم بكرامتنا. بل يجب أن نتحرك بمحبة عميقة وخوف مقدس من مصيرهم الأبدي.

«هادسون تايلور»، المبشر العظيم في الصين، تعامل مع مريض كان مصابًا بالغرغرينا. كان الرجل ملحدًا، عنيفًا، وكان يرفض أي محاولة لمشاركة الإنجيل معه. بصق في وجه القسيس، وطرد من أراد أن يقرأ له من الكتاب المقدس. كان دور هادسون تغيير الضمادات يوميًا. وكان يصلي بحرارة من أجل خلاص هذا الرجل، دون أن يعظه مباشرةً في البداية، بل كان يكتفي بلطفه وخدمته. ومع الأيام، بدأ يحدث تغيير داخلي خفي في قلب الرجل.

لكن بعد فترة، شعر هادسون بالحزن وظن أن جهوده بلا جدوى، وقرر أن يتوقف عن التحدث إليه عن المسيح. وفي اليوم الذي توقف فيه عن الحديث، لاحظ الصدمة في عيني المريض — فقد تعود أن يسمع عن المسيح، رغم عناده.

حينها، كسر هادسون قلبه أمام الله، وعاد إلى المريض وهو يبكي وقال: «صديقي، سواء كنت تريد أن تستمع أم لا، لا أستطيع إلا أن أخبرك بما في قلبي.» وبدموع حارة، شاركه الإنجيل مرة أخرى. وهذه المرة، الرجل قال: «إن كان هذا يريحك، فصَلِّ لأجلي.» ركع هادسون وصلى من أجل خلاصه — واستجاب الله! تغير قلب الرجل، وأصبح منصتًا للإنجيل، وبعد أيام قليلة أعلن إيمانه بالمسيح!

دروس هادسون تايلور:

في خدمته اللاحقة في الصين، كان كلما شعر باليأس، يتذكر خلاص هذا الرجل، ويجد قوة للاستمرار في إعلان الكلمة، سواء قُبلت أم رُفضت.

وربما لو كان لدينا نحن أيضًا دموع حقيقية من أجل الخطاة، لرأينا نتائج أعظم بكثير. أحيانًا، ليست قسوة قلوب الضالين هي سبب عدم الثمر، بل قسوة قلوبنا نحن وضعف استيعابنا لخطورة الأمور الأبدية.

تداعيات لغير المسيحيين:

إذا لم تكن مسيحيًا بعد، فهناك استنتاج واحد لك: عليك أن تهرب من الغضب الآتي! كما قال يوحنا المعمدان للفريسيين والصدوقيين: «يا أولاد الأفاعي، من أراكم أن تهربوا من الغضب الآتي؟» (متى ٧:٣). لا يتطلب الأمر الكثير للذهاب إلى الجحيم — فقط استمر في عيش حياتك كما هي: ارفض يسوع، ارفض التوبة عن خطاياك، وستجد نفسك في الجحيم حتمًا.

يا صديقي العزيز، هل هذا ما تريده حقًا؟ الجحيم لن يختفي لمجرد أنك لا تؤمن بوجوده. الجحيم مكان حقيقي. ولهذا السبب حذر يسوع قائلًا: «أقول لكم: إن لم تتوبوا، فستهلكون كلكم بنفس الطريقة.» (لوقا ٣:١٣). لا توجد فرص ثانية بعد الموت. كما يقول الكتاب: «ومثلما أن الناس معد لهم أن يموتوا مرة واحدة، ثم بعد ذلك يواجهون الدينونة.» (عبرانيين ٢٧:٩). عندما يعود يسوع المسيح، سيدين كل من رفضوه، بينما يأخذ خاصته ليكونوا معه في المجد إلى الأبد. ولكن في تلك اللحظة سيكون الأوان قد فات للتوبة. الآن هو وقت القرار.

يا عزيزي، لا أقول هذه الكلمات القاسية بدافع اللذة أو التشفي — بل من محبة عميقة صادقة لخيرك الأبدي. رجاءً، تب عن خطاياك! آمن بيسوع المسيح! آمن أنه دفع ثمن خطاياك بموته على الصليب، وأنه قام من بين الأموات ليعطيك حياة جديدة. اهرب من الجحيم باللجوء إلى يسوع اليوم! لا مزيد من الأعذار. لا مزيد من التأجيلات. لا مزيد من اللعب بالنار. تعال إلى يسوع الآن! قال يسوع: «لقد تم الزمان، واقترب ملكوت الله. فتوبوا وآمنوا بالبشارة السارة.» (مرقس ١٥:١). مهما كانت خطاياك عظيمة، مهما كان ماضيك مظلمًا، فهو مستعد أن يقبلك — لو صرخت إليه بإيمان صادق. سيعطيك قلبًا جديدًا، وسيُسكن الروح القدس في داخلك ليساعدك على السير في طريق البر. لا تؤجل! تعال إليه اليوم!

دعني أختم بكلمات تحذير مؤثرة قالها خادم الرب الأمين، تشارلز سبيرجن، عن أهوال الجحيم:

هناك نار حقيقية في الجحيم، تمامًا كما أن لك جسدًا حقيقيًا. نار تشبه تلك التي على هذه الأرض، ولكن مع اختلاف واحد: لن تستهلكك بل ستعذبك إلى الأبد. تخيل مادة الأسبستوس وهي وسط الفحم الملتهب دون أن تُحترق — هكذا ستكون أجسادكم مهيأة لكي تحتمل الاحتراق الأبدي دون أن تفنى. ستبقى أعصابكم مكشوفة، تتألم بلا توقف تحت اللهيب الحارق، دون أن تفقد حساسيتها. أنفاسكم ستختنق من أدخنة الكبريت الخانقة. وستصرخون طلبًا للموت… لكن الموت لن يأتي أبداً… أبداً…لا أبداً.

Category

Leave a Comment